فصل: الِاجْتِمَاعُ: لِيَوْمِ الْفَصْلِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول (نسخة منقحة)



.الِاجْتِمَاعُ: لِيَوْمِ الْفَصْلِ:

وَيُجْمَعُ الْخَلْقُ لِيَوْمِ الْفَصْلِ: ** جَمِيعُهُمْ عُلْوِيُّهُمْ وَالسُّفْلَى

فِي مَوْقِفٍ يَجِلُّ فِيهِ الْخَطْبُ ** وَيَعْظُمُ الْهَوْلُ بِهِ وَالْكَرْبُ

وَيُجْمَعُ الْخَلْقُ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ يَوْمَ يَفْصِلُ الرَّحْمَنُ بَيْنَ الْخَلَائِقِ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْفَصْلِ لِذَلِكَ، وَسَمَّاهُ يَوْمَ التَّغَابُنِ لِكَثْرَةِ الْمَغْبُونِينَ يَوْمَئِذٍ، وَسَمَّاهُ يَوْمَ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ فِيهِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يَسْمَعُهُمُ الدَّاعِي وَيُنْفِذُهُمُ الْبَصَرَ، وَسَمَّاهُ يَوْمَ التَّلَاقِ لِأَنَّهُ يَلْقَى فِيهِ الْعَبْدُ رَبَّهُ وَيَلْقَى فِيهِ الْعَامِلُ عَمَلَهُ وَيَلْتَقِي فِيهِ الْأَوَّلُونَ بِالْآخِرِينَ وَيَلْتَقِي فِيهِ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ، وَسَمَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَنَّ فِيهِ قِيَامَ الْخَلَائِقِ مِنَ الْقُبُورِ، وَسَمَّاهُ يَوْمَ التَّنَادِ لِتَنَادِي الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَلِمُنَادَاةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِبَادَهُ فِيهِ، وَبِنِدَائِهِمْ لِيَتْبَعَ كُلُّ قَوْمٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَلِتَنَادِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَأَصْحَابِ النَّارِ، وَلِمُنَادَاةِ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ كُلًّا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ وَلِلْمُنَادَاةِ عَلَى كُلِّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} [النِّسَاءِ: 87]، وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التَّغَابُنِ: 9]، وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ} [الْمَائِدَةِ: 109]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} [الْكَهْفِ: 99]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الْكَهْفِ: 47]، وَقَالَ تَعَالَى: {لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [الْمُرْسَلَاتِ: 13 14]، وَقَالَ تَعَالَى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} [غَافِرٍ: 16]، وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} [التَّوْبَةِ: 77]، وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزَّلْزَلَةِ: 6-8]، وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النَّبَأِ: 38]، {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا} [الْفُرْقَانِ: 25]، وَقَبْلَ ذَلِكَ {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ} [الْفُرْقَانِ: 22]، وَقَالَ فِي السُّعَدَاءِ {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} [الْأَنْبِيَاءِ: 103]، وَقَالَ تَعَالَى عَنْ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} [غَافِرٍ: 32]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [الْقَصَصِ: 62-65]، وَقَالَ تَعَالَى فِي مُنَادَاةِ الْمُنَافِقِينَ الْمُؤْمِنِينَ {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ} [الْحَدِيدِ: 14]، الْآيَاتِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} إِلَى قَوْلِهِ فِي أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ {وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الْأَعْرَافِ: 43-50]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ} [هُودٍ: 18]، وَغَيْرُهَا مِنَ الْآيَاتِ.
وَجَمِيعُهُمْ عُلْوِيُّهُمْ وَهُمْ عَوَالِمُ السَّمَاوَاتِ وَالسُّفْلَى وَهُمْ عَوَالِمُ الْأَرَضِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ كَيْفِيَّةُ صُفُوفِهِمْ وتضعيفهم وإحاطة بعضهم بِبَعْضٍ فِي مَوْقِفٍ عَظِيمٍ يَجِلُّ يَشْتَدُّ فِيهِ الْخَطْبُ الشَّأْنُ وَالْأَمْرُ وَيَعْظُمُ الْهَوْلُ الْأَمْرُ الْفَظِيعُ الْهَائِلُ بِهِ أَيْ فِيهِ وَالْكَرْبُ الْحُزْنُ الْأَخْذُ بِالنَّفْسِ وَالْهَمُّ وَالْغَمُّ وَقَدْ وَصَفَ تَعَالَى مَوْقِفَ الْقِيَامَةِ بِشِدَّةِ ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا قَالَ {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الْمُطَفِّفِينَ: 4]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إِبْرَاهِيمَ: 43]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} [غَافِرٍ: 18]، وَقَالَ تَعَالَى: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ} [الْمَعَارِجِ: 11-14]، وَقَالَ تَعَالَى: {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [الْمُدَّثِّرِ: 9]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ} [الْإِنْسَانِ: 7-11]، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا} [الْإِنْسَانِ: 27].
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ حَتَّى يَغِيبَ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ».
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ «يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ لِعَظَمَةِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى إِنَّ الْعَرَقَ لَيُلْجِمُ الرِّجَالَ إِلَى أَنْصَافِ آذَانِهِمْ».
وَلَهُ عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أُدْنِيَتِ الشَّمْسُ مِنَ الْعِبَادِ حَتَّى تَكُونَ قَدْرَ مَيْلٍ أَوْ مَيْلَيْنِ-قَالَ- فَتُصْهِرُهُمُ الشَّمْسُ، فَيَكُونُونَ فِي الْعَرَقِ كَقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، منهم مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ إِلْجَامًا». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَرَوَى أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَدْنُو الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ مَيْلٍ وَيُزَادُ فِي حَرِّهَا كَذَا وَكَذَا، تَغْلِي مِنْهَا الْهَوَامُّ كَمَا تَغْلِي الْقُدُورُ، يَعْرَقُونَ فِيهَا عَلَى قَدْرِ خَطَايَاهُمْ مِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى سَاقَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى وَسَطِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ».
وَفِيهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَدْنُو الشَّمْسُ مِنَ الْأَرْضِ فَيَعْرَقُ النَّاسُ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَبْلُغُ عَرَقُهُ كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يبلغ إلى ركبتيه، وَمِنْهُمْ من يبلغ الحجر، وَمِنْهُمْ من يبلغ الخاصرة، وَمِنْهُمْ من يبلغ منكبيه، ومنهم مَنْ يَبْلُغُ وَسَطَ فِيهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ فَأَلْجَمَهَا فَاهُ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ بِيَدَيْهِ هَكَذَا- وَمِنْهُمْ مَنْ يُغَطِّيهِ عَرَقُهُ وَضَرَبَ بِيَدِهِ إِشَارَةً».
وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا، وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ».
وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَشِيرٍ الْغِفَارِيِّ: «كَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ فِي يَوْمٍ يَقُومُ الناس فيه ثلاثمائة سَنَةٍ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا، لَا يَأْتِيهِمْ فِيهِ خَبَرٌ مِنَ السَّمَاءِ وَلَا يُؤْمَرُ فِيهِمْ بِأَمْرٍ قَالَ بَشِيرٌ الْمُسْتَعَانُ اللَّهُ قَالَ فَإِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ كَرْبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسُوءِ الْحِسَابِ».
وَفِي السُّنَنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنْ ضِيقِ الْمَقَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مُهْطِعِينَ} قَالَ قَتَادَةُ مُسْرِعِينَ قَالَ مُجَاهِدٌ مُدِيمِي النَّظَرِ وَمَعْنَى الْإِهْطَاعِ أَنَّهُمْ لَا يَلْتَفِتُونَ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا وَلَا يَعْرِفُونَ مَوَاطِنَ أقدامهم {مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ} قَالَ الْقُتَيْبِيُّ الْمُقْنِعُ الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيُقْبِلُ بِبَصَرِهِ عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ الْحَسَنُ وُجُوهُ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ إِلَى السَّمَاءِ لَا يَنْظُرُ أَحَدٌ إِلَى أَحَدٍ {لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَبْصَارُهُمْ مِنْ شِدَّةِ النَّظَرِ وَهِيَ شَاخِصَةٌ قَدْ شَغَلَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} أَيْ هِيَ خَالِيَةٌ قَالَ قَتَادَةُ خَرَجَتْ قُلُوبُهُمْ عَنْ صُدُورِهِمْ فَصَارَتْ فِي حَنَاجِرِهِمْ لَا تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَلَا تَعُودُ إِلَى أَمَاكِنِهَا، فَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ لَا شَيْءَ فِيهَا، وَمِنْهُ سُمِّيَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ هَوَاءً لِخُلُوِّهِ وَقِيلَ خَالِيَةٌ لَا تَعِي شَيْئًا وَلَا تَعْقِلُ مِنَ الْخَوْفِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ مُتَرَدِّدَةٌ تَمُورُ فِي أَجْوَافِهِمْ لَيْسَ لَهَا مَكَانٌ تَسْتَقِرُّ فِيهِ قَالَ الْبَغَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى أَنَّ الْقُلُوبَ زَائِلَةٌ عَنْ أَمَاكِنِهَا وَالْأَبْصَارَ شَاخِصَةٌ مِنْ هَوْلِ ذلك اليوم. ا هـ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} [غَافِرٍ: 18].
قَالَ قَتَادَةُ وَقَفَتِ الْقُلُوبُ فِي الْحَنَاجِرِ مِنَ الْخَوْفِ فَلَا تَخْرُجُ وَلَا تَعُودُ إِلَى أَمَاكِنِهَا، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَمَعْنَى كَاظِمِينَ أَيْ سَاكِتِينَ لَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} [النَّبَأِ: 38]، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ بَاكِينَ وَقَالَ الْبَغَوِيُّ مَكْرُوبِينَ مُمْتَلِئِينَ خَوْفًا وَجَزَعًا، وَالْكَظْمُ تَرَدُّدُ الْغَيْظِ وَالْخَوْفِ وَالْحُزْنِ فِي الْقَلْبِ حَتَّى يَضِيقَ بِهِ {كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [الْمَعَارِجِ: 4]، فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الزَّكَاةِ وَفِيهِ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ إِبِلٌ لَا يُعْطَى فِيهَا حَقَّهَا فِي نَجْدَتِهَا وَرِسْلِهَا قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَجْدَتُهَا وَرِسْلُهَا قَالَ: فِي عُسْرِهَا وَيُسْرِهَا، فَإِنَّهَا تَأْتِي يوم القيامة كأغذ مَا كَانَتْ وَأَكْثَرِهِ وَأَسْمَنِهِ وَآشَرِهِ حَتَّى يُبْطَحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ فَتَطَأَهُ بِأَخْفَافِهَا فَإِذَا جَاوَزَتْ أُخْرَاهَا أُعِيدَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [الْمَعَارِجِ: 4]، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ» الْحَدِيثَ. {وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا يُبَصَّرُونَهُمْ} [الْمَعَارِجِ: 11]، لَا يَسْأَلُ الْقَرِيبُ قَرِيبَهُ عَنْ حَالِهِ وَهُوَ يَرَاهُ فِي أَسْوَأِ الْأَحْوَالِ فَتَشْغَلُهُ نَفْسُهُ عَنْ غَيْرِهِ قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَفِرُّ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ بَعْدَ ذَلِكَ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عَبَسَ: 37]، وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [لُقْمَانَ: 33]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [فَاطِرٍ: 18].
قَالَ عِكْرِمَةُ هُوَ الْجَارُ يَتَعَلَّقُ بِجَارِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ سَلْ هَذَا لِمَ كَانَ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونِي وَإِنَّ الْكَافِرَ لَيَتَعَلَّقُ بِالْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ يَا مُؤْمِنُ إِنَّ لِي عِنْدَكَ يَدًا قَدْ عَرَفْتَ كَيْفَ كُنْتُ لَكَ فِي الدُّنْيَا وَقَدِ احْتَجْتَ إِلَيْكَ الْيَوْمَ، فَلَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُشَفِّعُ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ حَتَّى يَرُدَّهُ إِلَى مَنْزِلٍ دُونَ مَنْزِلِهِ وَهُوَ النَّارُ، وَإِنَّ الْوَالِدَ لَيَتَعَلَّقُ بِوَلَدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ يَا بُنَيَّ أَيُّ وَالِدٍ كُنْتُ لَكَ فَيُثْنِي خَيْرًا فَيَقُولُ يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدِ احْتَجْتُ إِلَى مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ حَسَنَاتِكَ أَنْجُو بِهَا مِمَّا تَرَى، فَيَقُولُ وَلَدُهُ يَا أَبَتِ مَا أَيْسَرُ مَا طَلَبْتَ وَلَكِنِّي أَتَخَوَّفُ مِثْلَ مَا تَتَخَوَّفُ، فَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُعْطِيَكَ شَيْئًا، ثُمَّ يَتَعَلَّقُ بزوجته فيقول لها يَا فُلَانَةُ أَوْ يَا هَذِهِ أَيُّ زَوْجٍ كُنْتُ لَكِ فَتُثْنِي خَيْرًا فَيَقُولُ لَهَا إِنِّي أَطْلُبُ إِلَيْكِ حَسَنَةً وَاحِدَةً تَهَبِينَهَا إِلَيَّ لَعَلِّي أَنْجُو بِهَا مِمَّا تَرِينَ، قَالَ فَتَقُولُ مَا أَيْسَرُ مَا طَلَبْتَ وَلَكِنِّي لَا أُطِيقُ أَنْ أُعْطِيَكَ شَيْئًا، إِنِّي أَتَخَوَّفُ مِثْلَ الَّذِي تَتَخَوَّفُ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا} [فَاطِرٍ: 18]، الْآيَةَ وَيَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا} [لُقْمَانَ: 33]، وَيَقُولُ تَعَالَى {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عَبَسَ: 34].
{فَإِذَا نُقِرَ} نُفِخَ {فِي النَّاقُورِ} الصُّورِ، رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كيف أنعم وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَحَنَى جَبْهَتَهُ، يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ فَيَنْفُخُ» فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ جَرِيرٍ {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} شَدِيدٌ {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} عَلَيْهِمْ، وَرُوِيَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى قَاضِي الْبَصْرَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِالْمُدَّثِّرِ فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [الْمُدَّثِّرِ: 9]، شَهِقَ شَهْقَةً فَمَاتَ أولئك قوم قرءوا الْقُرْآنَ بِقُلُوبٍ حَاضِرَةٍ وَآذَانٍ وَاعِيَةٍ وَبَصَائِرَ نَافِذَةٍ وَأَفْهَامٍ جَلِيَّةٍ وَنُفُوسٍ عَلِيَّةٍ، مُسْتَحْضِرِينَ تَأْوِيلَ مَعَانِيهِ حِينَ وُقُوعِهَا وَأَوَانِ وَعِيدِهَا، شَاهِدِينَ بِبَصَائِرِهِمْ مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ فَأَنْزَلَهُ فَأَثْمَرَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ خَشْيَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَذَابُوا خَوْفًا وَحَيَاءً مِنْ رَبِّهِمْ وَشَوْقًا إِلَيْهِ {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فَاطِرٍ: 28]، وَقَالَ تَعَالَى فِيهِمْ: {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الْإِنْسَانِ: 7].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَاشِيًا، وَقَالَ قَتَادَةُ اسْتَطَارَ وَاللَّهِ شَرُّ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتَّى مَلَأَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ كَانَ شَرُّهُ فَاشِيًا فِي السَّمَاوَاتِ فَانْشَقَّتْ، وَتَنَاثَرَتِ الْكَوَاكِبُ وَكُوِّرَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَفَزِعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَفِي الْأَرْضِ نُسِفَتِ الْجِبَالُ وَغَارَتِ الْمِيَاهُ وَتَكَسَّرَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ جَبَلٍ وَبِنَاءٍ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُمُ اسْتَطَارَ الصَّدْعُ فِي الزُّجَاجَةِ وَاسْتَطَالَ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
فَبَانَتْ وَقَدْ أَثْأَرَتْ فِي الْفُؤَا ** دِ صَدْعًا عَلَى نَأْيِهَا مُسْتَطِيرًا

يَعْنِي مُمْتَدًّا فَاشِيًا وَقَوْلُهُ: {عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ضَيِّقًا طَوِيلًا وَعَنْهُ قَالَ يَعْبِسُ الْكَافِرُ يَوْمَئِذٍ، حَتَّى يَسِيلَ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهِ عَرَقٌ مِثْلُ الْقَطِرَانِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ {عَبُوسًا} الْعَابِسُ الشَّفَتَيْنِ {قَمْطَرِيرًا} تَقَبُّضُ الْوَجْهِ بِالسُّيُورِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ تَعْبِسُ فِيهِ الْوُجُوهُ مِنَ الْهَوْلِ {قَمْطَرِيرًا} تَقْلِيصُ الْجَبِينِ وَمَا بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ مِنَ الْهَوْلِ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ الْعَبُوسُ الشَّرُّ وَالْقَمْطَرِيرُ الشَّدِيدُ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْقَمْطَرِيرُ هُوَ الشَّدِيدُ يُقَالُ هُوَ يَوْمٌ قَمْطَرِيرٌ وَيَوْمٌ قُمَاطِرٌ وَيَوْمٌ عَصِيبٌ وَعَصَبْصَبٌ، وَقَدِ اقْمَطَرَّ الْيَوْمُ يُقَمْطِرُ اقْمِطْرَارًا وَذَلِكَ أَشَدُّ الْأَيَّامَ وَأَطْوَلُهَا فِي الْبَلَاءِ وَالشِّدَّةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ:
بَنِي عَمِّنَا هَلْ تَذْكُرُونَ بَلَاءَنَا ** عَلَيْكُمْ إِذَا مَا كَانَ يَوْمٌ قُمَاطِرُ